فصل: (سورة البقرة: آية 240):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة البقرة: الآيات 236- 237]:

{لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}.
لا جُناحَ عَلَيْكُمْ لا تبعة عليكم من إيجاب مهر إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ما لم تجامعوهنّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً إلا أن تفرضوا لهن فريضة، أو حتى تفرضوا، وفرض الفريضة: تسمية المهر. وذلك أن المطلقة غير المدخول بها إن سمى لها مهر فلها نصف المسمى، وإن لم يسم لها فليس لها نصف مهر المثل ولكن المتعة. والدليل على أن الجناح تبعة المهر قوله: {وإن طلقتموهن} إلى قوله: {فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ} فقوله: فنصف ما فرضتم: إثبات للجناح المنفي ثمة، والمتعة درع وملحفة وخمار على حسب الحال عند أبى حنيفة، إلا أن يكون مهر مثلها أقل من ذلك. فلها الأقل من نصف مهر المثل ومن المتعة، ولا ينقص من خمسة دراهم لأن أقل المهر عشرة دراهم فلا ينقص من نصفها. والْمُوسِعِ الذي له سعة. والْمُقْتِرِ الضيق الحال. وَقَدَّرَهُ مقداره الذي يطيقه، لأنّ ما يطيقه هو الذي يختص به. وقرئ بفتح الدال. والقدْر والقدَر لغتان. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال لرجل من الأنصار تزوج امرأة ولم يسم لها مهرًا، ثم طلقها قبل أنّ يمسها: «أمتعتها»؟ قال: لم يكن عندي شيء. قال: «متعها بقلنسوتك». وعند أصحابنا لا تجب المتعة إلا لهذه وحدها، وتستحب لسائر المطلقات ولا تجب. مَتاعًا تأكيد لمتعوهن، بمعنى تمتيعًا بِالْمَعْرُوفِ بالوجه الذي يحسن في الشرع والمروءة حَقًّا صفة لمتاعا، أى متاعا واجبا عليهم. أو حق ذلك حقًا عَلَى الْمُحْسِنِينَ على الذين يحسنون إلى المطلقات بالتمتيع، وسماهم قبل الفعل محسنين كما قال صلى اللَّه عليه وسلم: «من قتل قتيلا فله سلبه» إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ يريد المطلقات. فإن قلت:
أى فرق بين قولك: الرجال يعفون. والنساء يعفون؟ قلت: الواو في الأوّل ضميرهم، والنون علم الرفع. والواو في الثاني لام الفعل والنون ضميرهنّ، والفعل مبنى لا أثر في لفظه للعامل وهو في محل النصب ويعفو: عطف على محله. {والَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ} الولىّ، وإنما ذهب إلى أن المراد الولي الامام مالك رضى اللَّه عنه، وصدق الزمخشري أنه قول ظاهر الصحة، عليه رونق الحق وطلاوة الصواب لوجوه:
الأول: أن الذي بيده عقدة النكاح ثابتة مستقرة هو الولي. وأما الزوج فله ذلك حالة العقد المتقدم خاصة، ثم هو بعد الطلاق، والكلام حينئذ ليس من عقدة النكاح في شيء البتة، فإن قيل: أطلق عليه ذلك بعد الطلاق بتأويل كان مقدرة، فلا يخفى على المنصف ما في ذلك من البعد والخروج من حد إطلاق الكلام وأصله.
الثاني: أن الخطاب الأول للزوجات اتفاقا بقوله: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} وفيهن من لا عفو لها البتة كالأمة والبكر، فلولا استتمام التقسيم بصرف الثاني إلى الولي على ابنته البكر أو أمته، وإلا لزم الخروج عن ظاهر عموم الأول، وحيث حمل الكلام على الولي صار الكلام بمعنى: إلا أن يعفون كن أهلا للعفو، أو يعفو لهن إن لم يكن أهلا، ولهذا كان الولي الذي يعفو ويعتبر عفوه عند مالك: هو الأب في ابنته البكر. والسيد في أمته خاصة.
الثالث: أن الكتاب العزيز جدير بتناسب الأقسام وانتظام أطراف الكلام، والأمر فيه على هذا المحمل بهذه المثابة، فان الآية حينئذ مشتملة على خطاب الزوجات ثم الأولياء ثم الأزواج بقوله: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} فتكون على هذا الوجه ملية بالفوائد جامعة للمقاصد.
الرابع: أن المضاف إلى صاحب عقدة النكاح العفو كما هو مضاف إلى الزوجات، والعفو: الاسقاط لغة وهو المراد في الأول اتفاقا، إذ المضاف إلى الزوجات هو الاسقاط بلا ريب، ولو كان المراد بصاحب العقدة الزوج لتعين حمل العفو على تكميل المهر وإعطائه ما لا يستحق عليه، وهذا إنما يطابقه من الأسماء التفضل. ومن ثم قال في خطاب الأزواج {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} لأن المبذول من جهته غير مستحق عليه فهو فضل لا عفو.
ولا يقال: لعل الزوج تعجل المهر كاملا قبل الطلاق وطلق فيجب استرجاع النصف فيسقطه ويعفو عنه وحينئذ يبقى العفو من جانب الزوج على ظاهره وحقيقته، لأنا نقول: حسبنا في رد هذا الوجه ما فيه من الكلفة وتقدير ما الأصل خلافه.
الخامس: أن صدر الآية خطاب للأزواج في قوله: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} إلى قوله: {فَرَضْتُمْ} فلو جاء قوله: {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ} مرادًا به الزوج لكان عدولا والتفاتا من الخطاب إلى الغيبة، وليس هذا من مواضعه، ولأجل هذا جاء قوله: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} على صيغة الخطاب، لأن المراد به الأزواج لخطابهم أولا السادس: أن قوله: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} وما عطف عليه استثناء من قوله: {فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ} وأصل الكلام:
فنصف ما فرضتم واجب عليكم إلا أن يعفو عنه الزوجات فليس بواجب عليكم إذًا، فإذا حمل الكلام على الولي استقام، إذ هم لو كملوا المهر لهن فالنصف واجب عليهم ولا يتغير ولا يخالف الحالة المستثناة مما وقع منه الاستثناء، فلا يجرى الاستثناء على حقيقته في المخالفة بين الأول والثاني، إلا أن يقال: مقتضى قوله: {فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ} واجب عليكم: أن النصف الآخر غير مؤدى إليهن لأنه ساقط عن الزوج، فإذا عفا بمعنى كمل المهر فقد صار النصف الآخر مؤدى إليهن، ففي هذا التأويل من الكلفة ما يسقط مؤنة رده.
يعنى إلا أن تعفو المطلقات عن أزواجهن فلا يطالبنهم بنصف المهر، وتقول المرأة: ما رآني ولا خدمته ولا استمتع بى فكيف آخذ منه شيئا، أو يعفو الولىّ الذي يلي عقد نكاحهن، وهو مذهب الشافعي. وقيل هو الزوج، وعفوه أن يسوق إليها المهر كاملا، وهو مذهب أبى حنيفة والأوّل ظاهر الصحة. وتسمية الزيادة على الحق عفوًا فيها نظر، إلا أن يقال كان الغالب عندهم أن يسوق إليها المهر عند التزوّج، فإذا طلقها استحقّ أن يطالبها بنصف ما ساق إليها، فإذا ترك المطالبة فقد عفا عنها. أو سماه عفوًا على طريق المشاكلة. وعن جبير بن مطعم أنه تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها فأكمل لها الصداق وقال: أنا أحق بالعفو. وعنه أنه دخل على سعد بن أبى وقاص فعرض عليه بنتًا له فتزوّجها، فلما خرج طلقها وبعث إليها بالصداق كاملا، فقيل له: لم تزوّجتها؟ فقال: عرضها علىّ فكرهت ردّه، قيل: فلم بعثت بالصداق؟ قال: فأين الفضل؟ والْفَضْلَ التفضل. أى ولا تنسوا أن يتفضل بعضكم على بعض وتتمرؤا ولا تستقصوا: وقرأ الحسن: {أن يعفو الذي}، بسكون الواو. وإسكان الواو والياء في موضع النصب تشبيه لهما بالألف لأنهما أختاها. وقرأ أبو نهيك: {وأن يعفو}، بالياء. وقرئ: {ولا تنسو الفضل}، بكسر الواو.

.[سورة البقرة: الآيات 238- 239]:

{حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْبانًا فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)}.
الصَّلاةِ الْوُسْطى أى الوسطى بين الصلوات، أو الفضلى، من قولهم للأفضل: الأوسط.
وإنما أفردت وعطفت على الصلاة لانفرادها بالفضل وهي صلاة العصر. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال يوم الأحزاب «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ اللَّه بيوتهم نارًا» وقال عليه السلام: «إنها الصلاة التي شغل عنها سليمان بن داود حتى توارت بالحجاب» وعن حفصة أنها قالت لمن كتب لها المصحف: إذا بلغت هذه الآية فلا تكتبها حتى أمليها عليك كما سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرؤها، فأملت عليه: والصلاة الوسطى صلاة العصر وروى عن عائشة وابن عباس رضى اللَّه عنهم: والصلاة الوسطى وصلاة العصر بالواو.
فعلى هذه القراءة يكون التخصيص لصلاتين: إحداهما الصلاة الوسطى، إمّا الظهر، وإمّا الفجر وإمّا المغرب، على اختلاف الروايات فيها، والثانية: العصر، وقيل: فضلها لما في وقتها من اشتغال الناس بتجاراتهم ومعايشهم. وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما: هي صلاة الظهر، لأنها في وسط النهار، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصليها بالهاجرة، ولم تكن صلاة أشدّ على أصحابه منها. وعن مجاهد: هي الفجر لأنها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل. وعن قبيصة بن ذؤيب: هي المغرب، لأنها وتر النهار ولا تنقص في السفر من الثلاث: وقرأ عبد اللَّه: {وعلى الصلاة الوسطى} وقرأت عائشة رضى اللَّه عنها {والصلاة الوسطى} بالنصب على المدح والاختصاص. وقرأ نافع: {الوصطى}، بالصاد وَقُومُوا لِلَّهِ في الصلاة قانِتِينَ ذاكرين للَّه في قيامكم. والقنوت: أن تذكر اللَّه قائما: وعن عكرمة: كانوا يتكلمون في الصلاة فنهوا. وعن مجاهد: هو الركود وكف الأيدى والبصر. وروى أنهم كانوا إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب الرحمن أن يمدّ بصره أو يلتفت، أو يقلب الحصا، أو يحدّث نفسه بشيء من أمور الدنيا فَإِنْ خِفْتُمْ فإن كان بكم خوف من عدوّ أو غيره فَرِجالًا فصلوا راجلين، وهو جمع راجل كقائم وقيام، أو رجل. يقال: رجل رجل، أى راجل. وقرئ: {فرجالا}.
بضم الراء، ورجالا. بالتشديد، ورجلا. وعند أبى حنيفة رحمه اللَّه: لا يصلون في حال المشي والمسايفة ما لم يمكن الوقوف: وعند الشافعي رحمه اللَّه: يصلون في كل حال، والراكب يومئ ويسقط عنه التوجه إلى القبلة فَإِذا أَمِنْتُمْ فإذا زال خوفكم فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ من صلاة الأمن، أو فإذا أمنتم فاشكروا اللَّه على الأمن، واذكروه بالعبادة، كما أحسن إليكم بما علمكم من الشرائع، وكيف تصلون في حال الخوف وفي حال الأمن.

.[سورة البقرة: آية 240]:

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجًا وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)}.
تقديره فيمن قرأ وصية بالرفع: ووصية الذين يتوفون، أو وحكم الذين يتوفون وصية لأزواجهم، أو والذين يتوفون أهل وصية لأزواجهم. وفيمن قرأ بالنصب: والذين يتوفون يوصون وصية، كقولك: إنما أنت سير البريد، بإضمار تسير. أو والزم الذين يتوفون وصية. وتدل عليه قراءة عبد اللَّه: كتب عليكم الوصية لأزواجكم متاعا إلى الحول، مكان قوله وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجًا وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعًا إِلَى الْحَوْلِ وقرأ أبىّ: {متاع لأزواجهم متاعا}. وروى عنه: {فمتاع لأزواجهم}. ومتاعا نضب بالوصية، إلا إذا أضمرت يوصون، فإنه نصب بالفعل. وعلى قراءة أبىّ متاعا نصب بمتاع، لأنه في معنى التمتيع كقولك: الحمد للَّه حمد الشاكرين، وأعجبنى ضرب لك زيدًا ضربا شديدًا. وغَيْرَ إِخْراجٍ مصدر مؤكد، كقولك:
هذا القول غير ما تقول. أو بدل من متاعًا. أو حال من الأزواج، أى غير مخرجات. والمعنى أن حق الذين يتوفون عن أزواجهم أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا، أى ينفق عليهنّ من تركته ولا يخرجن من مساكنهن، وكان ذلك في أول الإسلام، ثم نسخت المدة بقوله: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} وقيل: نسخ ما زاد منه على هذا المقدار، ونسخت النفقة بالإرث الذي هو الربع والثمن. واختلف في السكنى، فعند أبى حنيفة وأصحابه: لا سكنى لهن فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ من التزين والتعرض للخطاب مِنْ مَعْرُوفٍ مما ليس بمنكر شرعًا. فإن قلت: كيف نسخت الآية المتقدمة المتأخرة؟ قلت: قد تكون الآية متقدّمة في التلاوة وهي متأخرة في التنزيل، كقوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهاءُ} مع قوله: {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ}.